كلام فارغ لابد منه

لسنا متساويين فى التأثر بالاحداث فهناك من يخرسه حزن الفقد المفاجئ وهناك من تنبت الارض شحرا من دموعه واخرون يملأون الدنيا صراخا
انا قابلت أنواع كثيرا
أحدهم نظر للسماء وامهم على فراش الموت واقسم بشرف ابيه انه لن يصلى لله ان لم ينقذ امه
ولما ماتت دخل فى وصلة ردح موجها نظره للسماء ومتفاديا المعزين الذى تحولوا لمنعه بالقوة من الكلام
ورأيت اقربهم لقلبى وهو أخى لا تنفرط من عينه دمعه يوم ماتت جدتنا التى ربتنا
بينما رأيت احد ابنائها يجلس القرفصاء مستندا للحائط لا يبكى مثل أخى ولكن الفرق أن شعاع العقل الذى يخرج من العين ويخبرك ان احدهم يعى ما يفعل لم يكن يخرج من عينه
كان ذاهلا
ولما مات خالى وهو ابن الخامسة والاربعين وأنا ابن العشرين كان لابد لمن حضر من الرجال -وقتها كنت أنا وشاب اخر من شباب العائلة- ان نغلق فمه ونلف منديلا حول رأسه حتى ينطبق فكه السفلى المنفتح لا اراديا
وفعلنا
و لما كان الغسل رفض الجميع وقوفى عليه
بينما كان مخزونى من الحزن قد تناقص بعد الساعة الرابعة من احداث الوفاة المفاجأة فقد شعرت وأنا اشيعه انى فى حلم وان كل مشاعرى قد اختفت باستثناء الرغبة العميقة فى النوم بينما كنت احمل ثقل خالى الاخر على كتفى
ولم أرى أبى يبكى من قبل الا لما سقطت امى مغشيا عليه فجأة بلا سابق انذار فى أحد ايام الجمعه
كنت أقيم وقتها بمنزل الاسرة وكنا نحن الثلاثة فقط فى البيت
واستيقظت على صوته يحاول ان يوقظنى بغير ان يرعبنى
ويخبرنى ان أمى ملقاة على ارض الحمام ولا يستطيع حملها للسرير
خرجت اهرول وانا غير مستفيق
وجلس وهو يرتعش على كرسى الاستقبال وكان وجهه كأنى لم اره من قبل
ولما انتهيت من وضعها فى السرير ونزلت احضر طبيبا كان يجلس على الارض بقرب سريرها يبكى بصوت مسموع
كانت مشاعرى وقتها لا تحدثنى بشئ الا بالعثور على طبيب قريب وانى لا يجب ان اترك ابى يقلق هكذا
لم استفق يومها الا بعد ان احضرت الدواء وصرفت الطبيب و وقتها فقط شعرت بالخطر وأن يدا ممدودة داخل صدرى تعتصر قلبى وتمنع تنفسى فتنفست بعمق محاولا اخذ هواء اكثر ليفاجئنى صوتى وانا انشج وان الدمع تبلور فى اركان عيونى
صاحبنى بعدها خوف وفزع محرج من الاستيقاظ المفاجئ
وعرفت ان ابى انسانا عاديا ليس ذلك الصلب الصلد المذى يبدوه و الذى يبادر لحل المشكلات وقت ان تحدث
لا نستجيب بنفس الشكل للاحداث هذا امر واضح
هذا ما يجعلنا غرباء اذا كنا لا نشبه امثالنا
ونشعر بوحدة الغربة اذا كان البشر جميعا يغنون على وتر واحد ونحن منفردون نعزف على الخمسة اوتار
اسوأ ما فى الغربة انها تجعلنا المختلفين الاسوء
لسنا مختلفين لعبقرينا أو لاننا الافضل
فقط لاننا لا نشارك الاخرين صفاتهم
منفردين نحن فى نظرهم بالغباء المسمى الايمان بالامل بلا سبب
وفى الحقيقة نحن نؤمن بأنفسنا اكثر من اى شئ
متوحدين مع اوجاعنا لا نحب ان نشرك احدا بها
فمن يحب بكاء الغرباء؟

3 comments:

Unknown Wednesday, December 30, 2009 12:35:00 AM  

ده مش كلام فارغ ده كلام حقيقى اووووى
تعرف انى عادة فى لحظات الموت مش بحب اظهر
معرفش بحب ابقى مع نفسى افضل
و اختفى
بس الحقيقى ان موت اى حد و لو كنت معرفوش بيأثر فيا
بس ساعات بتجيلى حالة تبلد ببقى لا عارف اضحك و لا اعيط حتى

الكلمة نور Wednesday, December 30, 2009 1:45:00 AM  

ربنا يجبر بخاطرك يابنى

:)

البيروني Thursday, January 07, 2010 12:04:00 AM  

جزاكم الله خيرا
وصف جميل جدا و شعور المدمن الذي يرى العالم من وجهة نظر اخرى غير التي نراها

Powered By Blogger

Popular Posts

عالماشى

لا ترهبوا طرق الهداية أن خلت من عابريها
ولا تأمنوا طرق الفساد و إن تزاحم سالكوها ..
عبد الرحمن الشرقاوى

زوار

Followers

Total Pageviews